الشعر والطفل

الشعر والطفل مرتبطان بصورة وثيقة، فقد نشأ الأطفال على التهويدات والأراجيز التي قدمتها لهم الأمهات، وقد تم تصنيفه كنوع من الأدب الذي تم تخصيصه لتلك المرحلة العمرية، بهدف وضع المعلومات في قالب شعري يجعل الطفل يتقبلها بصورة أكبر، ويقبل على ترديدها وتنفيذها لما تبثه في روحه من مكارم، كما أن الشعر ينمي بعض القدرات والمهارات التي تعد ضرورية في العمر الصغير، وتؤثر بصورة كبيرة على شخصيته وعقليته ونظرته للأمور من حوله فيما بعد.

الشعر والطفل

عندما نقول أن الطفل يستمع، أو يقرأ ويتعلم بعض الأنواع من الشعر فإن ذلك من شأنه أن يصل به لمراحل متقدمة على الصعيد النفسي والشخصي، وذلك من عدة جهات، حيث:

  • يُعزز الشعر والأدب التعلم لدى الطفل، فحين يحفظ القصائد ويرددها تنغرس في وجدانه كل مآثرها، ومعانيها، فتجعله مهيأ لتنفيذ ما تعلمه منها.
  • تشعره بالحب والدفء المتبادل بينه وبين أسرته، وتعمل أيضًا على تقوية أواصر المحبة فيما بينهم، خاصةً من يلقي هذه الأشعار على مسامعه.
  • تنمي لديه اللغة والمفردات، وتعلمه التعبير عن ذاته باسلوب منظم، تتقبله النفوس وتستسيغه، كما تجعله مرتبًا في أفكاره، ويقوى لديه ملكة التخطيط فيما بعد.
  • تهدئ القصائد الشعرية نفسه حال الشعور بالضيق أو الغضب، وحين تلقي عليه أمه القصيدة تملأ نفسه بالأنس، وتشعره بأنه ليس وحيدًا، وأنه بالاعتماد على الله سيكون قويًا طالما استطاع أن يتعلم من أوقات الشدة.
  • يستخدم الشعر كذلك لتضمين بعض الصفات النبيلة، وتشبيه الرجال الحق بشخصيات يحبها الطفل ويريد التقرب إليها، لتحويله لشخص نبيل وشجاع.
  • تاريخ أدب الطفل
  • لم يكن توجيه الأدب للطفل بصورة عامة من الأمور المستحدثة، فمنذ القدم والأمهات يهتممن برواية القصص لأطفالهن، وحين يتعلم الطفل القراءة يقرأ بنفسه، ويقص على إخوته ما قرأه.
  • حتى عند النوم في مرحلة الرضاعة كان الأطفال يستمعون لبعض المقاطع التي اتخذت شكل الأغنيات، وقد كانت الأم تستخدمها كنوع من التهويدة لتنويم الطفل، وهي تحتوى ألفاظ شيقة وهادئة، تُنطق بنبرة حانية يلمسها الطفل من أمه فيشعر بالأمان والمحبة.
  • أما بالنسبة للشعر كلون من ألوان الأدب فقد كان تاريخه مزدانًا بالقصائد التي كانت تذكر الطفل كموضوع للقصيدة، ولذلك اختلف الباحثون في أمر الشعر والطفل من جهة وجود قصائد موجهة له خصيصًا كمتلقي.
  • كانت القصائد من أكثر أشكال الأدب التي كانت تتخذ الأطفال كموضوع لها، ولكنها كانت تعتمد أسلوب الرثاء والترقيص غالبًا.
  • كذلك كانت هناك بعض القصائد المعبرة عن حب الأهل لأطفالهم، وتوسمهم فيهم القوة والشجاعة، ودعاؤهم لهم بمجامع الخير.
  • كما أن هناك منها ما يهدف لغرس خلق محدد في نفس الطفل، أو تعليمه اجتناب فعل لا يصح أن يصدر منه.
  • قُدمت وصايا تعتمد أسلوب النثر لكي تقدم للمربي بعض الوصايا المتعلقة بالتربية، وهي شاملة لجوانب تربوية تساعد على تهذيب الطفل وتعليمه وتحسين انتقاءه لسلوكياته بصورة مقبولة له.
  • كل هذه النصوص الشعرية والمقاطع عائدة للتراث، تربت عليها الأم حينما كانت طفلة فقامت بتربية وليدها عليها، ولذلك ظلت متتابعة بين الأجيال.
  • مراحل تطور الشعر للأطفال
  • الشعر بكل أشكاله موجود منذ القدم، فقد كانت الشعراء ينتقون الألفاظ التي تجعل المستمع يشعر قبل الاستماع لما يلقى عليه، حيث:
  • بدأ استماع الطفل لهذا النوع من الشعر عبر الأراجيز، والأرجوزة من أصناف الشعر، وفي هذه المرحلة تكون هادفة لترقيص الطفل، أو الهدهدة لتهيئته للنوم.
  • من تأثير تلك الأراجيز على الطفل زرع المحبة فيه، وإشعاره بالبهجة، وبالقرب من مجتمعه والاندماج فيه.
  • كان لهذا النوع من الشعر كذلك وقع مؤثر في النمو الوجداني والنفسي للطفل، مع منحه ألفاظ وعبارات أكثر لتحسين تعبيره عن أفكاره.
  • ظهرت بعد ذلك بعض القصائد الشعرية التي كان يتلقاها الأطفال للتأسي بالرجال والاقتداء بهم والتصبغ بصفاتهم الحميدة، مما يؤثر بالغ الأثر على توجه الطفل في حياته.

الشعر للأطفال

ظهرت تساؤلات عديدة بخصوص الشعر والطفل، فهل كان هناك من الشعر ما يقدم للأطفال خصيصًا؟ للأسف لا، لأن أغلب باحثي اللغة والأدب لم يقروا هذا النوع من الأراجيز والأشعار على أنه مخصص للطفل، ولا أنه نابع منه حيث:

  • اعتبروا أن هذه الأراجيز متداولة على لسان الأم أو الجدة بغرض الترقيص أو الهدهدة فقط.
  • دور الطفل في هذا النوع من القصائد الشعرية لا يعدو كونه موضوع القصيدة، ولكنه لم يُخصص فيها كمتلق، أو جمهور مستهدف بهذا الإلقاء أو النظم.
  • يرى هؤلاء أن الأدب العربي خالي من اللون المخصص للطفل، أما ما يخص الأشعار المتناقلة بين الأجيال فهي غير قابلة للتتبع ومعرفة تاريخها، وهذا إضافة لكونها غير مخصصة للأطفال.
  • اعتبر هؤلاء أن من أقوى أسباب عدم تخصيص هذه النظم للصغار احتوائها على ألفاظ صعبة، قد لا يدركها بعض الرجال، فكيف بمن دونهم؟!
  • استندوا كذلك على أنه لم تكن هناك أي عناية بتجميع هذه الأشعار، ولا تحديد مؤلفها وملقيها الأول.
  • لم يكن الشعر في بداياته سوى قصائد تنقل شفويًا من الملقي للمستمع دون تدوين، وهذا من وجهة نظر الباحثين إثباتًا لعدم كون الشعر موجه للطفل؛ فهو يتطلب درجة محددة من الإدارك لفهمه والتوصل للمطلوب منه، ونقله للغير.
  • في الشعر الأموي والعباسي لم يكن هناك اهتمام بتوثيق ما يخص الأطفال من قصائد شعرية، بل انصب سائر الاهتمام فقط على ما يوجه للكبار، من حيث دراسته وتعلمه وتدوينه.
  • بالرغم من كل تلك النظريات اعترف الباحثون بوجود جذور قوية للشعر والطفل في التراث العربي، لكن مع توثيق احتياجه للتعريف، وكذلك الاضافة إليه بما يتناسب مع كل عصر.

الشعر والطفل في الجاهلية

كان في الجاهلية من يفضلون إنجاب الذكور، وهم غالبية، حتى أنه كانت هناك قصائد تطالب النساء بإنجاب الذكر والامتناع عن إنجاب الأنثي، ومن أمثلته:

ولا أبالي أن أكون مُحمِقة إذا رأيتُ خصية معلقة
ويشير هذا البيت لأم في مجتمع لم يكن يهتم ما إذا كان المولود عاقلًا رزينًا أم أحمقًا، فما دام يمتلك عورة ذكر سيظل حاميًا لقومه ومخلدًا لذكرهم.
وقد كانت القابلة تشجع الأم (اسمها سحابة) على الإتيان بالذكر قائلة:
أيا سحاب طرِّقي بخير وطرِّقي رخصية وأير ولا ترينا طرف البظير
ولكن هذا لا يعني أن البنات لم يكن مرغوبات، برغم قلة من كانوا يفضلوهن، ولذلك أسباب، ولكن كان الكثير من الآباء يعبرون عن حبهم لبناتهم، وتفضيلهن على الذكور، ومن أمثلة ذلك:
رأيتُ رجالًا يكرهون بناتهم وفيهن -لا تكذب- نساء صوالح
وفيهن والأيام يعثرن بالفتى عوائد لا يمللنه نوائح
صدرت هذه الأبيات عن أب لثمانٍ من الفتيات، يكنى بأبا أوس، الذي اعتبر أن البنات مثل البنين ومكلملات لهم، فإن كان الصبي نعمة، فالبنت حسنة.

الشعر والطفل في الإسلام

لم تختلف الأشعار الهادفة لمدح الأطفال في الإسلام عن سابق العصور، ومنها ما قد وُجه للنبي – صلى الله عليه وسلم- في طفولته، ومنها ما كان الناس ينشدونه للتعبير عن تقواهم لله عز وجل وما يدعونه به لأولادهم، ومنها:
يارب إذا أعطيته فأبقه وأعله إلى العلا وأرقه وادحض أباطيل العدا بحقه
وهذه الأبيات لم تكن صادرة سوى من فم السيدة حليمة السعدية، وكانت تنشدها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كعادة أهل البادية الافتخار بأبنائهم والدعاء لهم.
ولم يتوقف ذلك على النبي وحده، بل كان عمه الزبير بن عبد المطلب كذلك يمدح أخيه العباس، وكان بقول له:
إن أخي العباس عفٍّ ذو كرم فيه عن العوراء إن قيلت صمم
يرتاح للمجد ويوفي بالذمم وينحر الكوماء في اليوم الشمم
الشعر والطفل بينهما علاقة تعود لسحيق الأزمان، نشأ على حبه الأطفال بإقبال وارتباط وثيق، حتى أنهم ينتظرون سماعه، وينتظرون الجديد منه الذي تقدمه لهم أمهاتهم، ومحبيهم.

طرق لتحبيب الطفل في الشعر

هناك عدة طرقو أفكار يمكن للأم أن تستخدمها لتحبب الشعر إلى الطفل:

  • أشتري كتب شعر بسيطة أو قصص لطفلك وضعيها في مكتبته مثل كتاب شوقي للناشئة .
  • اقرأي لطفلك الشعر البسيط يوميًا خمس دقائق قبل النوم .
  • جهزي شعر بسيط وغنيه لطفلك في الصباح عندما يستيقظ.
  • تدرجي معه في القراءة ففي البداية يضع أصبعه على السطر كأنه يقرأ
  • وبعدها ساعديه أن يقرأ بمفرده الكلمات المتكررة مثل الله ،من، على، الذي وغيرها
  • وبعدها يقرأ هو بمفرده ويحكي لكي ما قرأه على حسب فهمه .
  • شجعي طفلك على الاشتراك في مسابقات الشعر في المدرسة .
  • اجعلِ وقت القراءة ممتع وهادئ لتحبيب طفلك في الشعر والقراءة .
  • قارني طفلك بنفسه وليس بالآخرين فعندما يكون لديه نص صعب ولا يستطيع قراءته ذكريه كيف كان بالسابق وأنه يتطور ويتعلم وسيقدر على تعلم النص حتي ولو كان صعبًا .
  • اذهبي معه لمعارض اكتب واجعليه يختار كتبه بنفسه .
  • شاهدوا معاً فيديوهات لمسابقات الشعر أو بعض الرسوم الكرتونية التي تتحدث بالفصحي .
  • تحدثي معه يوميًا باللغة العربية الفصحي من خلال لعبة أو نكتة أو قصة.
  • الشعر من الأدوات التي تبني جيلاً قوياً ومميزاً فلا تدخري وقتاً أو جهداً في تعليمه لطفلك.